![]() |
| محمد بنفارس- المغرب |
الاختزال
في الهايكو
من شعرية الموضوعات إلى شعرية المناخات
-1-
1)
تمهيد:
الإيجاز في الهايكو يدفعنا إلى قراءته على نحو سريع. ومع ذلك فالهايكو هو أطول قصيدة موجودة، لأنها لا تضيف شيئا يضلل القارئ، ولا تضيف شيئا يشغل القارئ عن المكان الذي يتواجد به. يمكن للمرء أن يشعر بوجوده في الهايكو إلى الأبد[1]
الاختزال ليس مسألة شكلية أو تقنية لغوية، بل هو مرتكز يمنح الهايكو سحره االشعري ومناخه الكامن. فالهايكو، في أقصى درجات اختزاله، يختصر العالم ليكثّفه، ويجعل من الصمت امتدادًا للصوت. إنّ الاختزال هو اقتصاد مدروس يستبعد الزخرف والصباغة والتدليس اللغوي، ويجعل لكل كلمة وظيفة دقيقة لا تأثيثا لفراغ. ما يجعل من الهايكو فضاء للتأمل المفتوح، يتيح للمشهد أن يتنفس في وعي القارئ دون شروح أو ثرثرة. فالتقشف في القول، لا يعني تقزيم التجربة، بل يوسّع مناخها الشعري، حيث يتجاور الحسي والشعوري في صمت شعري وجمالي عماده الإيحاء وليس التصريح.
2) الاختزال في هايكو العالم:
الطريق
وإن
غطاه الثلج
هو
الطريق
سامح
درويش – المغرب
هايكو ينقل مناخا من الهدوء الخارجي والداخلي. رغم تكرار كلمة "الطريق"، يظل الاختزال قائما مع إيقاع واضح يخدم الشعرية عندما يشي باستمرار الحياة تحت كل الظروف.
من
قوس النصر
يرقب
النسر
الحشرات
عيسى
ابركان - المغرب
تقشف إلى أقصى حد، ومع ذلك وفر للهايكو مسحة من شعرية الإيحاءات بين من يجلس في الفوق ومن يمشي في التحت، بين القوي والضعيف.
بين الأنقاض
نرجس بري
على ساق واحدة!
ارنستو سنتياغو - الفلبين
( Ernesto Santiago- Philippines)
اقتصاد في القول، وشعرية في التقاط اللحظة التي تجمع بين الدمار وإرادة الحياة.
سكون المساء،
إلى مكان ما
يحلق هدهدان
عبد الحق موتشاوي - المغرب
اختزال عزز المشهد اللامتناهي ومنسوب الهدوء الناتج عن التلاقح بين الزمان والمكان وبين الغموض (مكان ما) وأثره الوجداني.
رحيل جماعي
كل ما تبقى
لوحة الجدار
فاطمة عدلي- المغرب
مشهد درامي يحتاج رواية كاملة، غير أنه صيغ في هايكو مختزل وثري بالإيحاءات الشعرية تربط بين الغياب والحضور.
على الطاولة
رسالة مكومة
مطر الليل
ماري انجلس أولمو - إسبانيا
(Mari Angels Olmo-España )
رسالة فقدت شكلها، غير أن الهايكو لمع بمناخ شعري تأثثه أسئلة الشجن والعزلة والصمت.
مطر من الأزهار
عبثا يبحث غراب
عن عشه!
ماتسو باشو - اليابان
اقتصاد في الكلام يغدي مناخا شعريا من الحركة والحياة، وزخم تجدد الطبيعة وضرورة تكيف العناصر.
ريح المساء
الوردة الأخيرة
تموت في صمت
كاترين دومان- فرنسا
Catherine
Dumont- France
هايكو يختزل مسارا من الخيبات ويقف عند الحلقة الأخيرة من الأفول المتدرج. وحدة وحزن وفراغ النهايات بمقابل ريح تزمجر.
زهور اللبلاب -
درب التبانة
على السياج
زايا يوحنا- سوريا
هايكو يختزل الكون في حركته بربط السماء بالأرض واللامتناهي بالمحدود في بضع كلمات.
شاطئ -
تباعا
تغرب الشمسيات
لبنى منان – المغرب
تقشف إلى أقصى حد في هايكو مفعم بالدينامية وشعرية
مناخات شجن الغروب وثبات المكان.
3)
خلاصة:
إن الاختزال
في الهايكو ليس صنعة لغوية تبتغى لذاتها، بل هو تمرين على الصمت. فكلما قل الكلام، ازداد إيحاء الأشياء.
[1] إنريكي ليناريس مارتي، من مواليد 27 فبراير 1962،
فالنسيا، إسبانيا، فنان متعدد وهايجن وناشر. حصل على جوائز كثيرة في الهايكو، وهو
مؤسس ومدير مجلة الهايكو الإلكترونية: أوراق على الرصيف (Hojas en la Acera
)
