إعلان الرئيسية

الصفحة الرئيسية قراءة في هايكو عبد الحق موتشاوي: محمد بنفارس

قراءة في هايكو عبد الحق موتشاوي: محمد بنفارس

حجم الخط

 

عبد الحق موتشاوي- المغرب

هايكو

عبد الحق موتشاوي

بسمات الخفة والفكاهة واللحظة الهاربة

 








      محمد بنفارس- المغرب

تقديم


     لا يجرؤ من لا يبدع، ولا يبدع من لا يجرؤ.

    في هذه الورقة سنحاور نصوص واحد من الهايجن الذين تواصلوا مع الهايكو ومارسوه بكل جرأة وانطلاق نحو أفق شخصي مميز لن تحد من مداه سوى قدرته على التنويع وتطويع اللغة لمشاركة وجدان يتعلق بالطبيعة ويفرح بأشيائها الصغيرة التي قد تبدو غير ذات بال بالنسبة لكثيرين. غير أن عبد الحق موتشاوي يحيلها تحفا بالضوء تلمع وبالجمال تبرق. الجمال عند عبد الحق فرح لا يفتأ يبهر في شتى مراحل النشأة والتحول ومرور الزمن.

   عبد الحق يكتب بوتيرة تكاد لا تنقطع. يكتب ولا يكترث سوى لصوت دواخله الذي ينفعل لحركة نملة أو لهبة ريح أو لرغوة على رمل بارد أو لنورس وحيد يغادر سماء الغروب أو حتى لفزاعة بالية متروكة لعبث الريح.

وسنقف عند عوالم تجربة عبد الحق ونعرض لنماذج مما أنتجه بسمات الخفة والفكاهة واللحظة الهاربة:

 

1.     بقرة عبد الحق

قطار المساء،

البقرة أيضا تلوح

بذيلها!

 

train du soir

la vache aussi remue

sa queue

 

   قال أحدهم يوما أن البقرة دخيلة وليست من ثقافة العرب، في نفي للمحليات الخاصة بكل بلد وجهل بالمكانة التي تحتلها في حواظر وحقول المغرب الأقصى. بل ونغامر بالقول وبنوع من السخرية: ليس هايجنا من لا يثيره ذيل البقرة.

عبد الحق ينفعل مع/ لكل الأشياء الصغيرة وربما "التافهة" في عرف الثقافة السائدة فيحولها تحفة تسر الناظرين، وقد تسرحتى المتزمتين الذين لهم موقف سلبي من البقرة وما شابه من مخلوقات. على أن فرادة ما ألف عبد الحق يستحق أن يوضع في صنافة الهونكادوري[1] العربي المميز. فعلى غرار هايكو البقرة عند كل من:

 

إيسا كوباياشي[2]:

أ)

البقرة

" مو، مو، مو"وقد برزت

من خلال الضباب

ب)

حتَّى البَقرةُ العَجوزُ

لها ذيلٌ

لكشِّ الذُّباب

 

 هياكوشي كوتوبا[3]:

 

البقرة التي بيعت

تبتعد عن القرية

خلال الضباب!

 

   فلقد تمكن عبد الحق من تخليد بقرته بأسلوبه الخاص مركزا على ذيلها الذي يرسل رسائل قد لا تصل أبدا، فقط عبد الحق له قدرة التواصل مع شيفرتها الغامضة.

فإذا كانت بقرة إيسا تحرك ذيلها لطرد الذباب، فعين عبد الحق لم تثرها تشييعات الناس في محطة القطار، بل تراءى له ذيل بقرة ملوحا لقطار أصم ينفث دخانا في السماء أو يطلق صفارته في الأرجاء غير مكترث لا بالناس وفراقهم ولا بالبقرة. بذلك يكون عبد الحق قد أضاف، بسخرية لطيفة، بقرة حديثة لريبرتوار البقرات الكلاسيكي أحب من أحب وأنكر من أنكر.

 

2.     فرح طفولي

مفرقعات

نجوم أخرى

تلتحق بالسماء!

 

pétards

d’autres étoiles

rejoignent le ciel!

 

petardos

otras estrellas se unen

al cielo!

 

نجاعة الإيجاز والبساطة ترفع الفرح الطفولي إلى السماء. هل هي رغبة في ملامسة النجوم أم انبهار بعظمة الكون؟ نص يشي بالاتساع والامتلاء والفرح بالانتماء إلى العالم المحيط، عندما يشعر الطفل بأنه منح نجوما إضافية للسماء.

هايكو متقن الصنعة يربط بين الفرح البريء وفرحة الشعور بجمال الطبيعة، في منأى عن الأنشطة النفعية التي تهدد هشاشة الحياة واستمرارية الكون.

 

3.     بطيختان 

نهاية الصلاة-

بطيختان

بسعر واحدة!

 

-fin de prière

deux pastèques

au prix d’une seule!

 

-fin de oración

dos sandias

¡por el precio de una sola!

 

    ولأن الهايكو لا يقول بل يعول على الإبداء، فسيكون من العبث البحث عما يريد قوله الهايجن. فالهايكو جماليا ليس هوالتنقيب عن المعنى، بل ما يصل إلي كيانك كمتلق.

أية علاقة بين الصلاة والبطيخ؟ إنها السخرية الفنية التي تبدع في جمع المتناقضات في تحفة تمنح المتعة والابتسامة من مشهد نصادفه في كل الصلوات. وللقارئ الكريم أن يتخيل في أي أرض يمكن أن يحدث هذا المشهد الشعبي المتكرر. بكل تأكيد، لن يقع في اليابان ولا في بلاد الغرب.

ونتخيل عبد الحق زاهدا في أن يقدم توجيها تربويا لهذا أو ذاك، هو فقط رسم لحظة طريفة ببهرات محلية لا تخطئها الذائقة، فمنحنا ابتسامة وسخرية ربما حتى من أنفسنا في مناخات شعرية خالصة متحللة من الحشو والتعقيد وإعطاء الدروس.

 

4.     ضفدع عبد الحق

من فردة حذاء

ينط ضفدع

نحو القمر!

 

ادعى أحدهم يوما أن موضوع الضفدع بات مستهلكا لحد التخمة. ولكن عبد الحق لا يبالي، فصنع له ضفدعا يتحدى ضفدع باشو فيقفز نحو السماء متحررا من ضيق فردة حذاء. فهل لمن سبق ولمن جاء بعد باشو أن شاهد ضفدعا ينط من داخل حذاء باتجاه السماء؟

ونحمد الله على أن الضفدعة لم تنقرض بعد، أي أنها ما زالت من الخصوبة بحيث ستنتج ضفادع أخرى في هايكو المستقبل.

 الهايكو ليس هو الاكتفاء بظاهر الأشياء، بل هو تمرين على مساءلة تلك الأشياء في مناخات شعرية تمنح الجمال والمتعة.

 

5.     في الخمسين

طيور مهاجرة-

أتذكر فجأة بأني تجاوزت

الخمسين!

 

حركة الطيور لا تتوقف هجرة وعودة حسب توالي الفصول.

ولعل أجمل فصل في الهايكو العربي هو الشطر الذهني/ الذاتي (س 1 و2) الذي يتماهى مع الشطر الموضوعي (س.1). بيد أن هجرة السنين ماضية لا تعود. إنه الإحساس الواعي بمرور الوقت والتحول من حالة إلى أخرى. حنين وربما قلق فكاكه الرضى بحتمية المرور. لا يهم السن، والأهم في كل ذلك أن يعيش الإنسان لحظته بفرح...

طبعا عبد الحق ليسا واعظا... ولا هو من شراح الواضحات. رحلة الطيور وضعته فجأة أمام مرآة نفسه روحا وجسدا، فاستطاع أن يبني مناخا شعريا سمته الهشاشة والعبور.

 

6.     فرح طفولي

مالح، مالح

يصيح طفل أسقطته

موجة!

 

لقطة بعفوية الصورة والصوت، وجودة التسجيل والقول.

طفل بحجمه أمام عظمة موجة.. تماس بين جسم رخو وماء مندفع لحد انصهار كلي تشعر من خلاله اندماجا ما يمنح تناغما ومتعة.

على أن الطفل يحول المواقف، مهما كانت جديتها (بمعيار الكبار)، إلى لحظة سخرية وفرح وعدم اكتراث.

 

خاتمة


عبد الحق، بحسه الشاعري المرهف وغير المكترث للثرثرة يحسن، ببساطة ولطف، كيف يعيد من نسي أو تناسى أو تلوث إلى صفحته الأولى. لا بالوعظ الجاف وصناعة الحكمة، ولكن بإنتاج المناخات الشعرية الخالصة انطلاقا من مشاهد عادية.


[1] تقنية يابانية تقوم على تأليف هايكو انطلاقا من كلمة أو جزء من هايكو معروف

[2] (1763- 1828) هايجن ياباني، هايكو له من ترجمة: محمد عضيمة، من كتاب هايكو البريد الياباني، دار التكوين.

[3] شاعر هايكو ياباني


ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق