![]() |
توفيق أبو خميس - الأردن[1] |
خصوصية ترجمة الهايكو
والوفاء للنص
" الفرق بين الكلمة الصحيحة والصحيحة تقريباً كبير جداً مثل الفرق
بين الضوء والحشرات المضيئة".
مارك_توين/ كاتب أمريكي ساخر.
من خلال ما نتدوال لبعض نصوص هايكو مترجمة إلى اللغة العربية لو تَمَعَّنَا قليلا فيها
لوجدنا هناك خللاً واضحاً في تركيبة النص، ويعود ذلك بكل تأكيد لعدم إلمام من قام
بترجمة تلك النصوص ببنية وخصائص الهايكو
وفاتحة لمقالي أورد هذا السؤال.. ماذا تعني الترجمة؟! والذي أقتبس
إجابته من كتاب (أن تقول الشيء نفسه تقريباً ل"إمبرتو إيكو") حيث يجيب
عليه إمبرتو إيكو قائلاً:
"تعني الترجمة أن نفهم النظام الداخلي للغة وبنية النص المكتوب
في تلك اللغة، وأن نصنع نسخة من النظام النصي، يمكنها تحت وصف ما، أن تخلق لدى
القارئ أحاسيس مماثلة، سواء على المستوى الدلالي والتركيبي أو على المستوى
الأسلوبي والنظمي والرمزي-الصوتي، وجميع المؤثرات العاطفية التي كان يهدف إليها
النص المصدر. (تحت وصف ما) تعني أن كل ترجمة تظهرهوامش من عدم الوفاء بالنسبة إلى
نواة من الوفاء المزعوم، ولكن القرار حول موضع النواة وسعة الهوامش تتوقف على
الأهداف التي رسمها الْمُتَّرجِم" إنتهى الاقتباس.
عادة وفي ترجمات النصوص الأدبية يكون سياق النص هو الإطار الذي يحكم
الترجمة حتى لا تخرج عن حدودها، ومهما تمكن الْمُتَّرجِم من اللغة الْمُتَّرجَم
منها وإليها فلن يستطيع أن يقدم ترجمةً جيدة ما لم يدرك السياق ويستوعبه، وقد يؤدي
الجهل لهذا السياق إلى ترجمة تتخذ كل جملة منها منحىً مختلفاً فيكون النص في مجمله
متنافراً.
هذا يحدث في الترجمات بشكل عام وفي ترجمات نصوص الهايكو على وجه
التحديد، ولإيضاح ما سبق لننظر إلى نص الهايكو الْمُتَّرجَم التالي لمعلم الهايكو
الأول "ماتسو باشو":
"مريض وقت ترحالي
وأحلامي "تَتَجَوَّلَ" طافية
في الحقول الذابلة"
في تعريف ومعنى مفردتي (يَجول) و (يتجوَّل) في معجم المعاني الجامع -
معجم عربي عربي جاءت على النحو التالي:
" 1- يَجول:(فعل) مصدره الفعل الثلاثي جالَ:
- جالَ / جالَ بـ / جالَ في يَجول، جُلْ، جَوْلاً وجَوَلانًا وجَوْلةً،
فهو جائل، والمفعول مجُولٌ به
- جَالَ فِي بُلْدَانٍ عَدِيدَةٍ: طَافَهَا مُتَنَقِّلاً
- جَالَ فِي: طَرَأَ عَلَى بَالِهِ وفكر فيه
- جَالَ الدَّمْعُ فِي عَيْنَيْهِ: اِغْرَوْرَقَتْ بِالدَّمْعِ
- جَالَ القَوْمُ فِي الحَرْبِ: فَرُّوا ثُمَّ كَرُّوا
- جَالَ بِسَيْفِهِ: لَعِبَ بِهِ وَأَدَارَهُ عَلَى جَوَانِبِهِ
- جال الشَّيءُ: ارتفع
- جال به: طاف به
- جالَ النِّطاقُ، ونحوُه: تحرَّك واضطرب لسعته
- جالَ الأَمرُ في نفسه: تردَّد
- جالَ الشيءَ من غيره: اختاره
2 - تجوَّلَ: (فعل) مصدره الفعل تجوَّلَ
تجوَّلَ في يتجوَّل، تجوُّلاً
-تجوَّلَ في يتجوَّل، تجوُّلاً، فهو مُتجوِّل، والمفعول مُتجوَّلٌّ
فيه
- تَجَوَّلَ الْمُسَافِرُ فِي رُبُوعِ البِلادِ: اِنْتَقَلَ مِنْ
مَكَانٍ إِلَى آخَرَ، طَافَ، سَافَرَ مُتَجَوِّلاً، مُتَنَقِّلاً
- تَجَوُّل: (اسم)
مصدر تَجَوَّلَ
-خَرَجَ لِلتَّجَوُّلِ فِي الْمَدِينَةِ لَيْلاً: الطَّوَافُ فِيهَا
وَالتَّفَسُّحُ فِي أَرْجَائِهَا
- تَقَرَّرَ حَظْرُ التَّجَوُّلِ فِي الْمَدِينَةِ: قَرَارٌ
حُكُومِيٌّ يَمْنَعُ عَلَى النَّاسِ الخُرُوجَ مِنْ بُيُوتِهِمْ عِنْدَ
الإِعْلاَنِ عَنْ حَالَةِ الطَّوَارِئِ."
وبناء على خصائص بنية الهايكو وما يحمل الفعلين السابقين من معنى أليس
مفردة الفعل الأول (تَجول) هي صاحبة الدلالة الأسلم والأصح في هذا النص ...؟!
وفي نص آخر ل"ماتسو باشو" جاءت إحدى الترجمات له بقلم أحدهم
كما يلي:
"يميل
ضوءِ القمر
خلال
بستانِ الخيزرانَ
وقواقِ
"يبكي"
من المعروف لنا حين يصدر أحد الطيور صوتاً فإننا نقول بانه يَصِيح
سواء كان صياح ديك أو زقزقة عصفور أو تغريد بلبل.. الخ، وورود الفعل
"يبكي" كما جاء في الترجمة جاء منافياً لشروط كتابة الهايكو بإضفاء
أنسنة واضحة فطائر الوقواق يَصِيح ولا يبكي!
ومن أكثر النصوص شهرة لباشو هو نص (الضفدع) وهذه ترجمة النص لأحدهم:
"بركة
قديمة صامتة
ضفدع
يَقْفزُ إلى البركةِ
طرطشة!
الصمت مرة ثانية"
ومن بين كل الترجمات لهذا النص أرى الترجمة الصحيحة هي كما يلي:
بركة
قديمة
قفزة
ضفدع
صوت
الماء
على العموم ومن البديهي على
الْمُتَّرجِم أن يعي بأن الترجمة ممارسة تتجاوز "المنطوق" المجال
اللساني إلى الخلفيات الثقافية والسياقية الحاسمة في عمليتي الفهم والتأويل من جهة
وفي عمليات انسجام مكونات النص-الْمُتَّرجَم وبنيته وملاءمة الترجمة للمعنى الأصلي
له من جهة أخرى. لذلك فمن المؤكد أن العمل الترجمي لا يستوي بدون وجود قاموس لغوي
ثري وقدرات تأويلية لدى الْمُتَّرجِم يستطيع بها المعرفة الخلفية وإدراك الخصوصية
اللسانية والفروق الثقافية بين أي لغتين.. وخلاصة القول: الْمُتَّرجِم لنصوص
الهايكو تحديداً لا يترجم بل يقول الشيء نفسه تقريباً
وفي مسألة مفهوم وفاء الترجمة للنص علينا أن نعي بأن نص الهايكو
تحديداً لا يندرج ضمن وضعية الاقتناع بأن الترجمة هي أحد أشكال التأويل وأن غايتها
يجب أن تكون دائماً، فتلاعب الْمُتَّرجِم من إضافة أو حذف أو استبدال مفردة ليس
ذات الدلالة حتماً سينحرف بالنص الأصلي ويولد مكانه نص آخر وعلى الأغلب سيكون
مندرجاً تحت تصنيف جنس أدبي مغاير له، فعلى الْمُتَّرجِم هنا ليس نقل قصد المؤلف،
بل قصد النص، أي ما يقوله النص ويوحي به مع الأخذ بعين الاعتبار اللغة التي كتب
فيها والسياق الثقافي الذي نشأ فيه.
في ترجمة بعض نصوص الهايكو يبدو لنا الأمر واضحاً كل الوضوح وكما
أسلفت من خلال تقديمي هنا لبعض الأمثلة والتي بلا شك تنتهي بنا إلى القول بأن هناك
وجود خيانة ظاهرة للنص وذلك بإنتاج هذه الترجمة لقائم عليها وغير محترف.