![]() |
خديجة ناصر[1]- المغرب |
الهايكو والترجمة
لمقاربة هذا الموضوع، نبدأ بتعريف كل من
الهايكو والترجمة ونسلط الضوء على تأثير كليهما على الآخر.
الهايكو:
هو شكل من اشكال الشعر، ولد في بيئة اسيوية،
ينحدر من سلالة أدبية يابانية.
يتشكل من مقاطع كلمات (هاي- كاي- هو- كو)
وتشير معانيها الى المتعة والتسلية والمطلع والكلمة.
يتجلى هذا النوع من الشعر من خلال شروط
أهمها:
-
تصوير اللحظة الحاضرة المنعزلة عن الماضي والمستقبل.
-
بساطة المشهد الموصوف.
-
اعتماد القصيدة على محاكات الطبيعة ووصف
عناصرها باستنادها الى مقاطع صوتية تشكل في
ثلاثة أسطر في أغلب الأحيان ولا تتجاوز
المقاطع الصوتية سبعة عشر مقطعا بحي تنضم على النحو التالي: خمسة مقاطع بالسطر
الأول والثالث وسبعة مقاطع في السطر الثاني.
يعتبر الشاعر الياباني ماتسو باشو (1644-
1694) رائدا في هذا النوع من الشعر عند اليابانيين وغيرهم من أصقاع العالم.
بالنسبة للثقافة العربية، ما زال شعر الهايكو
وافدا جديدا وان كانت ارهاصاته الأولى بدت مبكرا عند شعراء العرب في الموشحات والازجال
الأندلسية. وقد انقسم المتأثرون بهذا الطراز الشعري في التعاطي معه الى فريقين:
فريق ملتزم بالقانون الأصلي الذي وضعه اليابانيون للهايكو. اذ يرفضون خروج النص عن
خصائصه الفنية المعروفة وفريق ينزع الى التجديد ويرى إضافة بعض اللمسات مع
الاحتفاظ بالجانب المشهدي الذي هو روح الهايكو وعصبه.
الترجمة:
الترجمة هي نقل خطاب شفاهي او كتابي او رمزي
من اللغة الأصل الى اللغة الهدف.
تلعب الترجمة دورا أساسيا في تعزيز التواصل
بين الثقافات والشعوب حيث تساهم في تجاوز الحواجز اللغوية، مما يتيح تبادل الأفكار
والمعارف من خلال ترجمة المؤلفات الفكرية والأدبية والعلمية والفنية، يتعرف من
خلالها الافراد على تقاليد وحضارات الشعوب الأخرى، مما يعزز التفاهم المتبادل ويقوي
العلاقات الدولية. كما تساعد الترجمة في الحفاض على الهوية الثقافية وتسهل التواصل
السياحي والدبلوماسي.
علاقة الترجمة بالهايكو:
كما علمنا من خلال تعريف الهايكو ونشأته، فلا
محالة ان الهايكو كتب باللغة اليابانية، بينما نحن الان نصوص هايكو لرائده باشو
بلغات متعددة، عربية، انجليزية، اسبانية، فرنسية وغيرها من اللغات... أليست
الترجمة هي من أتاحت لنا فرصة التعرف على هذا الطراز من الشعر الياباني؟ علما بأن
من يتقنون اللغة اليابانية هم أقلية في كل مجتمع، يكادون يحسبون على رؤوس الأصابع.
ها هي ذي الترجمة تلعب دور الجسر الذي يعبر
بواسطته الهايكو من اليابان الى باقي دول العالم.
لكن للترجمة آلياتها وركائزها التي يعتمد
عليها المترجم خلال القيام بترجمة نص نثري أو شعري.
من بين هذه الآليات نذكر:
التأويل- الزيادة - الحذف - الترجمة الحرفية
...
علما أن الترجمة تتوخى نقل المعنى (الأفكار)
الواردة في النص الأصلي مع الحفاظ على جمالية الأسلوب وسجله، وانطلاقا من كون
المتشددين في تطبيق قوانين كتابة الهايكو يرون أن الهايكو لا يحمل بالضرورة أي معنى
او قصد (ولو أن هذا مردود عليهم، حسب وجهة نظري الخاصة، اذ أي كلمة تنطق أو تكتب
وحتى الحركة أو الاماءة، لا بد وأن ورائها قصد ومعني)، لذلك يجد المترجم نفسه في
حيرة أمام ترجمة الهايكو. هل يكتفي بترجمة حرفية قد لا تعبر عما رآه ملتقط المشهد والأحاسيس
التي دفعته للاهتمام بهذا المشهد دون غيره؟
هل يطبق ما تعلمه خلال تكوينه في علم
الترجمة، من آليات التأويل والحذف والزيادة علما بأن المساحة الضيقة (17 مقطعا
صوتيا) وشروط كتابة الهايكو قد لا تستوعب هذه الآليات.
هنا نجد ان ترجمة الهايكو هو دلك الشيء الذي
يطلق عليه بالسهل الممتنع:
سهل من حيث الكم: ثلاثة أسطر مكونة من أقل
عدد من الكلمات.
ممتنع من حيث نقل المشهد والحفاظ على الدهشة
المتوخاة منه بما يناسب من كلمات يجب اختيارها بدقة ومراعات السياق وأن يكون
المترجم على بينة من ثقافة البيئة التي كتب فيها الهايكو الأصلي.