إعلان الرئيسية

الصفحة الرئيسية مقاربات في هايكو الخريف

مقاربات في هايكو الخريف

حجم الخط


آمال بولحمام*












رياح الخريف

تتناغم

مع ناي الراعي

 

هايكو الخريف*

هايكو: زايا يوحنا - سوريا

مقاربة: آمال بولحمام، باحثة في الهايكو- الجزائر

 

أصبح فنّ الهايكو ظاهرة نصيّة عالميّة بامتياز حين خرج من نطاقه الياباني المحليّ الضيق إلى آفاق أرحب.

إنّ قوام قصيدة الهايكو هو المشهديّة المرهونة بفرادة اللّقطة الجماليّة وتعرّيها من الزّخرف والمجاز، ليجعلها أكثر بساطة وعمقا في آن واحد، وهذا هو أسّ الهايكو وروحه.

 

يستأنف الهايجن نصّه بكيغو مباشر (الخريف)، وهو بدوره يحيلنا إلى صورة مألوفة بسيطة، استطاع أن يقتنص من خلالها لقطة جماليّة خاطفة، ألا وهي ذلك الزمهرير الذي يتداخل مع أنغام ناي الراعي؛ إنّه ذلك الخيط النّاظم الخفي الذي يربط بين الريح والناي، فكلّما زاد الوصل والارتباط زاد عمق اللّقطة الجماليّة وفتنتها.

 

يبدو مشهد الريح والأنغام الصادرة من ناي ذلك الراعي مشهدا اعتياديّا مألوفا يمرّ علينا كلّ يوم، بيْدَ أنّ تلسكوب الهايجن كشّاف رصد معادلا موضوعيّا يمثّل سعادة الراعي برياح الخريف والتي ترجمها بطريقته الفريدة وهي تلك الألحان والموسيقى.

 

ربّما سيتساءل الكثيرون ما العلاقة التي تربط بين سعادة الراعي ورياح الخريف؟!

وهنا أؤكّد أنّ الرياح من العناصر المهمة للحياة النباتيّة بوصفها إحدى العوامل المتحكّمة في نجاح أو فشل إنتاجيّة المحاصيل الزراعيّة، إذ تساعد الرياح الخفيفة السرعة في تنشيط فعاليّات النبات الحيويّة وعملية صنع الغذاء، كما تقوم بمهمّة نقل حبوب اللّقاح بين الأزهار المختلفة لإتمام عملية التلقيح الطبيعي، ومن ثمّ التّزهير. ألم نتوصّل إلى نتيجة هامّة ربّما غابت عن البعض وهي أنّ كاتب الهايكو خبير بالعديد من المعلومات الفلاحيّة.

 

تمثّل الآنيّة " أصعب مرحلة يمرّ بها شاعر الهايكو هو اللحظة التي تتّحد فيها مشاعره بالحدث الواقع الذي في أحيان كثيرة غير مهمّ بذاته، وتوصيل ذلك إلى القارئ، ليشعر بما يشعر به الشاعر، ويعيش التّجربة بحدّ ذاته فيراها"(1)،

 

من خلال ذلك المشهد الحسّي الآني الذي ينقلُ آنيّةَ المشهدِ المباشر، وبثّ الحيويّةَ والديناميّة استطاع الهايجن تركيب صور حقيقيّة لا خياليّة؛ وهذا ما ينأى عنه الهايكو الحقيقي الذي يرفض تركيب الصور الخياليّة؛ إنّها عبقريّة اليقظة، بل إنّها جماليّة الاقتصاد اللّغوي والتّكثيف الدلالي للهايكو المعتمدة على المشهدية، والتي تتوزّع بدورها بين المرئي واللامرئي.

 

تهدف قصيدة الهايكو إلى التّغلغل في قلب الأشياء، وذلك من خلال التّوسّل بكلمات بسيطة، بعيدة عن التّكلّف والابتذال، فقائلها ينقل المشهد بحياديّة وأمانة، متجنّبا في وصفه للمشهد الألفاظ المركّبة أو المعقّدة حيث تمثّل البساطة لغة القصيدة؛ وتوظيف الكلمة بدلالتها الواضحة وبأسلوب ينأى عن التأنّق والتّعقيد والتصنّع اللّفظي.


([1]) حسن الصلهبي، صوت الماء مختارات لأبرز شعراء الهايكو الياباني، ص20

* ورشة يؤطرها فضاء هايكو العالم بغشراف لجنة متعددة (الرابط أسفله)


ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق