![]() |
توفيق أبو خميس |
سماء غائمة
بربع قفة
تعود
قاطفة
الزيتون
هايكو: عيسى أبركان- المغرب
مقاربة: توفيق أبو خميس، هايجن وباحث في
الهايكو- الأردن
لقد
استعان الشعراء بشجرة الزيتون، عند التعبير عن المقاومة والصمود، كان ذلك لما
تتمتع به الزيتونة من قدرة على التكيف مع المتغيرات والعيش طويلاً حيث إنها تعتبر
من أكثر الأشجار المعمرة في ظروف قاسية.. هكذا فإن هذه الشجرة، ترمز للرسوخ
والثبات وتدل على قدرة التحمل والتلاؤم.
وكان
الإنسان قد عرف شجرة الزيتون منذ أعرق الحضارات القديمة، إذ تم استخدمها وبوعي تام
لفوائدها التي لا تحصى. وأقدم الدلائل على وجود شجرة الزيتون، اكتشف في مملكة
إيبلا في سوريا، إذ عثر على رُقم ومخطوطات كثيرة تحكي عن الزيتون. ومنها واحدة
تفيد بأن زيت الزيتون، كان يقدم كهدايا للملوك، وإلى أبطال الرياضة أيضاً.
وتعاملت
شعوب العالم وتحديداً حوض البحر الأبيض المتوسط مع موسم الحصاد على أنه عبارة عن
احتفال "عُرس" موسمي سنوي، يتشارك فيه النساء والرجال الكِبار منهم
والصِغار، بهدف إحياء تراث الآباء والأجداد حيث يحتفظ موسم القطاف منذ مئات السنين
بالملامح التراثية ذاتها، إلا أن الشيء الوحيد الذي أختلف هو أن الصغار قد كبروا،
وباتوا يشاركون في هذه المواسم مثل أجدادهم".
بنظرة
أولية لقراءتنا لهذا النص وبدون أدنى شك يتضح لنا أن تصنيف هذا الهايكو يندرج على
أنه هايكو كلاسيك بوجود إشارة ل(كيجو)، وجاءت مفردة غائمة في السطر الأول مؤكدة
على ذلك باقترانها مع جملة "قاطفة الزيتون" ومحددة لتلك الفترة المثلى
للقطاف والتي تمتد عادة ما بين العشر الأواخر من شهر أكتوبر والعشر الأولى من شهر
نوفمبر وهي بلا شك تدل على الموسمية بشكل جلي.
في
السطر الثاني من النص جاءت جملة "بربع قفة تعود" ولاحقا به السطر الثالث
"قاطفة الزيتون" والقفة هي سلة تصنع عادة من الجلد أو الكاوتشوك ..
يالله كم هو محزن حالها تلك التي عادت ولم تجن بقطافها إلا ربع قفة (سلة).
لنتساءل ما منعها أن تملأ سلتها أو ما دون ذلك بقليل وهل السماء الغائمة؛ هل انهمرت
بمطرها الغزير فعادت تلك الصبية مجبرة بقطافها القليل، هنا يكون استخدام الهايجن
للشيوري بشكل مضمر، والشيوري هو: التعاطف مع كل الكائنات وهو ما وفق به الهايجن
بهذا النص.
كان
على الكاتب استخدام علامة التوقف البسيطة (الكيري) وهي الفارزة (،) في نهاية السطر
الأول وهي تدل على وقوف بسيط للمتلقي لأجل تهيئته للولوج الى خضم الفكرة التي يشرع
لها النص فيما بعد من خلال الدلالات اللاحقة في السطر الثاني والأخير وهي عادة
تستخدم في مثل هذا النوع من النصوص ذات المشهدين وهي الأكثر شيوعاً في تعاطي
الهايجن مع مشاهد من هذا النوع من الهايكو.
اتخذ
الهايجن بنية (التوري اواسيه) في النص، وهي البنية الأكثر استخداما في كتابة نصوص
الهايكو على وجه العموم، وتتركب هذه البنية في العادة من صورتين أمامية وخلفية،
استمد الهايجن التقاطته، حيث بدت الصورة الخلفية في السماء الغائمة.
جاء
النص بلغةٍ بسيطة هادئة ونقية من المجاز والمحسنات البلاغية، ودون أي شعور من
المتلقي بوجود كاتب النص أو تدخله بصياغة حيثيات المشهد، مما اضفى عليه مسحة
جمالية فبساطة اللغة وبدون تكلف هكذا يكون الهايكو الأصح، بحيث يكون التنحي من أهم
مقوماته، وهكذا يكون الهايكو دون تدخل ودون تلاعب في عفوية ومسار الأحداث ودون حشو
الكلمات للوصول لدلالة ضيقة والبعد عن الأنا (التنحي) أو الأنسنة ودون أي أحكام
مسبقة من الهايجن، هو فقط عرض المشهد كما كان ببساطة لغة النص البسيطة والتقاطه
الجمالية المؤثرة حتماً ستجعل من النص متمتعاً حين يلقاه القارئ.
بشكل
عام نص موفق للهايجن مع كل الأمنيات بالتوفيق ودوام التألق والإبداع.