إعلان الرئيسية

الصفحة الرئيسية من شعرية الموضوعات إلى شعرية المناخات

من شعرية الموضوعات إلى شعرية المناخات

حجم الخط


محمد بنفارس-المغرب

من شعرية الموضوعات إلى شعرية المناخات

نحو فهم جديد لجمالية الهايكو







الهايكو هو هايكو من حيث الجوهر، لا من حيث الموضوع أو الشكل.

فالهايكو الذي لا يولِّد مناخًا شعريًا يظل، مهما بلغت دقته، وصفيًا أو سرديًا لا يتجاوز السطح.
من هنا تبرز شعرية المناخات باعتبارها جوهر التجربة الهايكوية، حيث يتأسس النص على الإحساس والجو والتناغم والتفاعل بين المحسوس والوجداني، لا على مطاردة معنى بعينه أو موضوع محدد.
إن قراءة الهايكو تعني الغوص في الأجواء التي تنسجها اللحظة الشعرية، حيث يلتقي الحدث باللغة والبنية، والكاتب بالقارئ في فضاء مشترك من الومض الخاطف والسكينة
في فلسفته وماهيته، لا يُعنى الهايكو بتسجيل الوقائع أو التعبير عن المواقف السياسية أو الدينية، ولا باستعراض اللغة أو تقنياتها.
مهمته الجوهرية هي إنتاج الجمالية والشعرية من خلال التجربة الحسية المباشرة، أو ما يسميه باشو «العودة إلى الأشياء كما هي» (Basho, The Narrow Road to the Deep North, 1694).
إقحام الإيديولوجيا أو التقرير أو النزعة التوجيهية يُفسد نقاء النوع.
فالتعبير عن المواقف الفكرية أو العاطفية له فضاءاته الأخرى، أما الهايكو فمجاله هو التقاط الأثر العابر في الأشياء وتحويله إلى اهتزاز شعوري.

بهذا المعنى، يصبح المناخ أو الجو المتولّد من المشهد أو الحدث هو العامل الحاسم في تمييز الهايكو عن الشعر عموما، والذي يُبنى عادة على الموضوع والمعنى.
ففي الهايكو، الأهمية ليست للحدث في ذاته، بل للانطباع والرجّة الوجدانية التي يتركها النص بتكامل عناصره.
إنه شعرٌ يتوجّه إلى الإحساس بالزمن والمكان والسكينة أكثر من توجهه إلى القول أو البيان.

:ولعل كبار الهايجن اليابانيين قد جسّدوا هذا الفهم بعمق

 

           ماتسو باشو (1694‑1644)

على غصن جاف

حط غراب وحيد

مساء خريفي

يوسا بوسون ( (1784-1716 )

قمر الخريف
ظلّ السور يمتدّ
حتى القلب

إيسّا كوباياشي (1827‑1763)

مسقط رأسي

في كل قطرة

من قطرات الندى

ماساوكا شيكي (1902-1867)

سقط المطر الدافئ

على الأجمة

العارية

ريوكان طايكو (1831-1758 ) 

                                                                                                             هواءُ الجبل

يغسلُ وجهي العاري
من ثِقل الدنيا

 بانيا ناتسويشي (1955- معاصر)

عبوة بلاستيكية

تزحف فوق الأرض

طيران البابا الطائر



هذه النصوص لا تنتمي إلى موضوع محدد، بل تولّد مناخًا شعريًا تتكامل فيه عناصر النص بتفاعل الإحساس بالمحيط مع  الوجدان. 
ذلك ما يُسمى روح الهايكو (kokoro no haiku).
فاللغة في شعرية المناخات ليست غاية، بل وسيطٌ شفاف) سرعان ما يتوارى ليترك المجال لتدفّق الأثر الوجداني أو المناخ السحري الذي يطبع النص.

لذلك يمكن اعتبار شعرية المناخات معيارًا أساسياً ضمن محددات تقييم جودة الهايكو.
فإذا خلا النص من خلق أثر نفسي ووجداني لدى المتلقي عبر المشهد أو اللحظة، وظلّ معتمدًا على الصنعة اللغوية أو الإيحاء الذهني فقط، فإنه، بمعيار الشعرية،  يبقى على هامش الهايكو مهما بلغت فصاحته أو جمال لغته.
______

المراجع

·         -Basho, Matsuo. The Narrow Road to the Deep North and Other Travel Sketches. Penguin Classics, 1966.

·         -Shirane, Haruo. Traces of Dreams: Landscape, Cultural Memory, and the Poetry of Basho. Stanford University Press, 1998.

·         -Higginson, William J., & Penny Harter. The Haiku Handbook. Kodansha, 1989.

·         -Yasuda, Kenneth. The Japanese Haiku: Its Essential Nature, History, and Possibilities in English. Tuttle, 1957.

·         -Ban'ya Natsuishi. Flying Pope. Trans. by Mohammad Oudaimah, Oujda, 2016.

·         -Issa Kobayashi. The Spring of My Life. Trans. by Sam Hamill, Shambhala, 1999.

·         محمد عضيمة، بريد الهايكو الياباني، دار التكوين، 2019.

·         بانيا ناتسويشي، البابا الطائر في السماء، ترجمة وتقديم محمد عضيمة، وجدة، 2016.


تعليق واحد
إرسال تعليق
  1. ثقافة جديدة تدخل مكتبة قراءوالمثقفين المغاربة وهو ابداع ينتشر في المواقع الثقافية والبساط الرقمي وهو ثمرة عمل المجدين في الحقل الهايكوي شكرا لكم على المجهود وهدا الراءع

    ردحذف