إعلان الرئيسية

الصفحة الرئيسية 7- مقاربات في هايكو الشتاء: ذ. جمال الفيزازي

7- مقاربات في هايكو الشتاء: ذ. جمال الفيزازي

حجم الخط


جمال الفيزازي- المغرب



ليل الشّتاء،

دوريّ يهجع

في غربال أمّي

 



لطيفة أودوهو- المغرب


يعين النص فصلا محددا، يشكل الشتاء بزمنه الليلي إطارا عاما لدلالات منها: الحد من وضوح الرؤية البصرية والبرد والثلج، مما يستدعي ايحاءات متجاورة ومتداخلة أهمها البحث عن الدفء والسكينة الروحية سواء بالعزلة أو السهاد والأرق أو تقصير الدجن بالمسامرة والاحتفال والسهر والنوم. لتنقلنا الأديبة الى بؤرة محصورة "دوري " وهو طائر متمرد على الانسان وأقفاصه، لكنه هنا يسرقه النوم الخفيف في غربال أم الهايجن، وقد يكون الهجع من غير نوم إحساسا منه بالأمان (كما قال زهير بن أَبي سُلْمَى: قَفْرٌ هَجَعْتُ بها ولَسْتُ بنائِمٍ).

 

بناء النص:

 

مشهد وصفي (دوري يهجع) بنقلنا من العام الى الخاص، مثلما يقوم به زوم الكاميرا.

تلعب الفاصلة دور الكيرجي القصير للتأمل واستشراف المحتمل بتوقع ممكنات حدثية أو مشهدية بتحويل النظر عن الفصل الشتاء بل ليلته تلك وصولا الى حدث (الهجع).

يثير النص في منتهاه إحساسا بالدهشة - التي ليست شرطا للهايكو- ولم تثبت الهايجن علامة التعجب في النهاية، إلا أن الشعور بالدهشة وارد لأن اللقطة نادرة الحدوث.

 

صورة المشهد:

 

إننا أمام بنية سميائية تمتزج فيها عناصر الطبيعة: الماء "الشتاء" والحيوان والتراب والانسان في وحدة مشهدية مغمورة بالسكون والحزن الشفيف (وابي سابي)، لذا فالسمع غائب (صوت الطائر وصوت الأم) وحاسة اللمس يستدعيها مقام "برد الشتاء " لتحضر حاسة البصر بقوة، بؤرة جل نصوص الهايكو. المشهد موصوف بواقعية كما لو أنك تراه، لكنه يستدعي إيحاءات مضمرة منفتحة على ايحاءات كرم الام حيث الغربال "عش الغريب" وهو (كناية عن نسبة) لأنه مقترن بالزرع وحبوبه منسوبة للأم، أستحضر هنا إيسا كوباياشي 1763-1827 (ت. عبد الحق موتشاوي):

 

نعم: عصافير الدوري الصغيرة

إذا عاملتها بلطف

شكرتك بالتكاثر حولك

 

التقابل الدلالي:

 

المشهد صورة تعبيرية صيغت بتقابل دلالي بين (الهايجن الساهرة/ الدوري النائم) وكذلك بين (حضور الشاعرة /غياب الأم) لذا فالدوري وسيط دلالي بين الهايجن والأم، فضلا عن وجود تقابل دلالي بين طبيعة الدوري" المتمرد على الترويض" وبين هجعه في الغربال، وبالتالي فهو ينزاح عن الفضاء الطبيعي إلى الثقافي.

في ليل الشتاء القارس والقاسي تفتقد الهايجن دفء الام مثلما يفتقد الطائر عشه الطبيعي، كما لو أن الدوري تمثيل رمزي للهايجن في علاقتها بالأم الكريمة الحاضنة.

 

الآنية / الديمومة:

 

نلاحظ أن جملة (دوري يهجع "مبتدأ وخبر «جملة فعلية") تحضن فعلا مضارعا يدل على حدث مستمر في الزمن لكن حركيته مؤطرة بالجملة الاسمية وبالتالي فإن المشهد يميل إلى الزمن الثابت من خلال حضور مهيمن للاسم وظرف الزمان "دوري-ليل-شتاء –غربال " حتى الفعل دال على الصفة "هاجع" لذا فالهايجن تريد تثبيت المنظور في لحظة وترسيخه لتخليد المشهد وإدامة الأثر.

 

خلاصة:

 

النص صيغ بأسلوب بسيط لا افتعال فيه ولا تصنع، يبني صورة شكلية ظاهرة بمشهدية واقعية (ليل الشتاء، دوري يهجع في غربال) متدرجة من العام الى الخاص، لكنها في نفس الآن تضمر صورة خفية تبرزها مقابلات دلالية وإيحاءات نابضة بالشعور الإنساني في ليل العزلة الشتائية.



ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق