![]() |
محمد بنفارس- المغرب |
شعر وهايكو
فارق اللغة
في التقديم:
نعود مجددا لهذا الموضوع: اللغة في الشعر واللغة في الهايكو. نعود للتأكيد على أن لغة الهايكو هي لغة الاقتصاد والإيجاز والبساطة والوضوح وليست مسرحا لتسويق حذلقة الصنعة والزخرفة اللفظية والأسلوبية. نعود لتأكيد فارق أساس بين الشعر من حيث هو مجال للاستعراض الكلامي والغبداع المجازي، والهايكو من حيث هو فسحة لوميض اللحظة وصنعة البساطة. نعود بغاية تأكيد المؤكد لمن ما يزال مزهوا بألاعيب اللغة، وأكروباتيك العبارة، وتضليل البلاغة والبيان.
نعود ولا يغيب عن ذهننا، ولو للحظة واحدة، ما جاء على لسان باشو[1] بكون الهايكو في القلب قبل اللغة. ما يعني أن اللغة ليست كل شيء في الهايكو، أو تحتل مرتبة أقل ضمن أولويات أخرى ( لا مجال للتفصيل فيها هنا).
نعود ولا يغيب عن بالنا أن إرساء الهايكو كذائقة غير تقليدية وانتشاره كفن بأدواته المميزة يبدأ بتعزيز كينونته واستقلاله عن الشعر وأنواع الوجيز الأخرى.
نعود، وسنعتمد منطلقا لمقالنا رأيا تقييميا لأحد نقاد الشعر يوصف فيه سمات لغة الشعر.
في الموضوع:
عن لغة الشعر:
قال
أحد نقاد الشعر مشيدا بكلمة الشعر في معرض تقديمه لكتاب شعر:
" يعيد القارئ اكتشاف الكلمة وثراتها
المنسي ضمن جماليات الشعر المعاصر الطافحة بالغرابة والارتياب واللايقين[ ]"
عن لغة الهايكو:
- ليست اكتشافا للكلمة، بل لقاء لحظة
متفردة عابرة؛
- ليسا ثراتا (أي مخزونا وثروة)؛
- ليست طافحة (أي غنية ومكتنزة) ؛
- ليست غرابة (أي لغزا صعب المنال) ؛
- ليست ارتيابا (أي منفلتة ومخادعة لا
تعني ما تقول أو تقول الشيء ونقيضه في نفس الآن) ؛
- ليست لايقين (أي متاهة وشكوك) ؛
- ليست جماليات (كل شيء، جوهر النص) ؛
اللغة في الهايكو عكس لغة الشعر تماما، وهذا من الفوارق الجوهرية بين جنس الشعر ونوع الهايكو.
اللغة في الهايكو:
- ليست ارتكازا كما الحال بالشعر بل
وسيلة (médium
) لا أكثر؛
- بسيطة ومختزلة لحد الهزال؛
- واضحة صافية تعني الشيء المتحدث عنه:
القبرة قبرة، وزهرة الصباح زهرة الصباح، والبقرة بقرة... ولا معنى أو ترميز آخر غير ذلك؛
- يقين، لا غرابة، لا ارتياب، تعني بكل
مصداقية الشيء المتحدث عنه، وليس غيبيات ولا خيلاء ولا استيتيقا تجميلية ولا
ميتافيزيقا؛
-ليست جماليات، أي الغاية من الكتابة،
بل وسيلة لا غير، وهي من التقشف والبساطة بحيث تكاد تنسى في خضم هايكو به أصالة
وإتقان فنيين.
اللغة في الشعر جوهر وثروة وثرات ضارب في تاريخ البلاغة والمحسنات.
اللغة في الهايكو وسيلة وتقشف وكلام عادي.
ختاما:
في
الشعر، اللغة تقريبا كل شيء،
أما
في الهايكو، اللغة تقريبا لا شيء، بحيث يكاد ينساها المتلقي بعد الغوص في تلك ال
"ما" الهايكوية العميقة والساحرة: أي في رحلة شعرية المناخات المشهدية.
نقول هذا ونعيده ليس تقليلا من شأن الشاعرات والشعراء والشعر، ومنه جاء جل الهايجن (مؤلف الهايكو) للهايكو، ولكن للتأكيد على واحد من الفروقات الهامة بين الشعر كشعر والهايكو كهايكو، ألا وهو فارق اللغة. والفارق الذي استشهدنا به ليسا من عندنا، بل جاء على لسان واحد من أهل الشعر( ناقد) وهو يتحدث عن خصوصية لغة الشعر.
بل وقد نعتبر أن التفنن في الصنعة اللغوية والمبالغات التشبيهية والاكروباتيك المجازي لعبة أدبية تفسد حتى الشعر من حيث هو شعر لذاته.
[1] ماتسوو باشو( 1664-1694) شاعر ياباني سافر في أرجاء اليابان الريفية باحثا عن شعرية جديدة، ابتكر الهايكو وأسس منهاجا خاصا به ومدرسة لتعليم الهايكو.