إعلان الرئيسية

الصفحة الرئيسية مقاربات في هايكو الخريف

مقاربات في هايكو الخريف

حجم الخط


حسني التهامي



باكورة غيث

تحت القوقعة

يتمطّى حلزون


هايكو: فائزة وشتاتي- تونس

مقاربة: حسني التهامي، مترجم وباحث في الهايكو- مصر


البساطة هي، بلا شك، سمة أساسية في شعر الهايكو. فالهايجن الحقيقي هو من يصور الجمال والفن في أبسط الأشياء. والمتأمل في نص الهايكو يجد أن اللغة المنتقاة للتعبير عن الصورة الشعرية لا تدع مجالا للكلمات التي تتسم بالتعقيد والابتذال. ولعل تلك الخاصية كانت سببا في انتشار الهايكو وتقبله في الثقافات العالمية. فالبساطة قيمة مهمة لا غنى عنها للوصول إلى روح الهايكو. ففي الأعمال الفنية الكلاسيكية في اليابان يتعمد الرسامون ترك مساحات كبيرة على رسوماتهم، ويتجنبون الكثير من الألوان والخطوط والتعبيرات. تلك الطريقة الإبداعية تدعوك إلى تفسير عملية التواصل الأكثر بساطة وبديهية بشكل فعّال. وبالمثل، يمتنع الهايكو عن استخدام الكثير من الكلمات والعبارات؛ وبالتالي، يعتبر من المهم ترك الدلالات الدقيقة لقصيدة الهايكو لتفسير القارئ الخاص. وفي النهاية، يسلط الهايكو الضوء على عبارة أو اثنتين فقط من العبارات لإيصال جوهر التجربة واللحظة الجمالية. باختصار، يعدّ الهايكو "قصيدة بلا كلمات"، والاقتصاد في اللغة هو انعكاس لجمالية البساطة.


يعتمد الهايكو على التقاط صور حسية من البهاء الكوني. تتسم هذه الصور أيضا بالبساطة وعدم التعقيد. وعلى الرغم من بساطة المشاهد التي يلتقطها الهايجن، فإن هذه الالتقاطة يتم نقلها بذكاء شديد بروح الرائي وليس فقط بعينه المجردة، حين يتماهى مع الأشياء، وبذا يكون الرائي والشيء كيانا واحدا. تتفجر الدهشة من خلال تلاقي المتنافرات المشهدية وقيام الشاعر بإقامة علاقة متجانسة بين اللا متجانس من المشاهد الكونية. كما يكون للقارئ دور في تفكيك بنية النص وبنائها من جديد.


اعتمد الهايجن بعضا من التقنيات للحفاظ على خاصية البساطة في النص؛ أولها الإيجاز في اللغة، حيث تعكس كلماته الست التي تخلو من التعقيد والتزويق مقولة: (إن الهايكو يكاد يكون "نصا بلا لغة"). وللحفاظ على خاصيّة البساطة، تخلى الشاعر/ة عن الكيرجي معتمدا مقولة باشو " إن عملية القطع أهم من علامة القطع ذاتها «نظرا لأن الوقفات التأملية ومناطق الدهشة تتم بشكل تلقائي دون اللجوء إلى علامات الترقيم. فعبارة: "باكورة غيث" تتطلب وقفة تأملية لترقب ما سيأتي من حدث في السطرين الثاني والثالث (تمطي الحلزون تحت القوقعة).

نحن بصدد نص لا حضور للذات فيه أو المشاعر التي تنساب من ثنايا الكلمات. لا شئ سوى المشهدية الحسيّة التي التقطها الرائي بصورة عفوية في لحظة جمالية عابرة دون أدنى التفاتة لمعنى جوهري أو رمز أو استعارة. فالهايكو كما يقول رولان بارت: "أبعد ما يكون عن فكرة مكتنزة تم إيجازها، لكنه حدث مختصر قادر على بلورة شكله المناسب بصورة فورية". فالنص هنا لم يعبأ سوى برسم صورة غاية في البساطة: حركة الكائن الصغير المهمش بعد خروجه من القوقعة تحت زخات المطرة الأولى ليرطب جسده أو يتمطى بحثا عن الطعام.


ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق