إعلان الرئيسية

الصفحة الرئيسية عن البساطة في الهايكو: عبد الجابر حبيب

عن البساطة في الهايكو: عبد الجابر حبيب

حجم الخط

 


عبد الجابر حبيب*

عن البساطة في الهايكو

هل تجاوزنا المعلمين الكبار في كتابة الهايكو؟




 

حقيقة لفت نظري أحد نصوص الهايكو الذي تم عرضه للمناقشة[1] من قبل كتاب الهايكو.

 

بساطة اللغة وعمق الهايكو:

 

قصيدة الهايكو الشهيرة ليوسّا بوسون:


ليلة الصيف القصيرة

محل صغير مفتوح

(في) خارج المدينة

 

تعكس عبقرية بساطة اللغة التي اشتهر بها المعلم الكبير. هذا النص ينتمي إلى مشهدية الـ"توري أواسه"، حيث تُظهر السطور الثلاثة مشهدين مرتبطين، الأول يحدد الموسم بوضوح من خلال الكيغو "ليلة الصيف القصيرة"، بينما يقدم السطران التاليان صورة محل صغير في أطراف المدينة. ورغم أن النص يلتزم بشروط الهايكو الكلاسيكية—من الكيغو إلى المشهدية إلى التنحي—فإنه يثير تساؤلات عن مدى عمق هذه المشهدية، أو تأثيرها الجمالي على القارئ.

 هنا يُطرح السؤال: لماذا تُعتبر نصوص بوسون مرجعاً لا غبار عليه، بينما قد يُنظر إلى نصوص مشابهة اليوم على أنها سطحية أو خوطر بسيطة؟

 

معايير القبول بين الكلاسيكية والحداثة:

 

لو كُتب هذا النص من قِبل شاعر معاصر، هل كان سيُعتبر هايكوياً حقيقياً أم سيواجه هجوماً من النقّاد؟ الإجابة، غالباً، هي أنه سيتعرض لهجوم كاسح، حيث يميل البعض إلى النظر للنصوص الحديثة من زاوية مشددة تبحث عن "تجاوز" الماضي بدلاً من استلهام روح المعلمين الكبار. هناك قناعة راسخة لدى العديد من كتّاب الهايكو المحدثين بأنهم قد تجاوزوا أساتذة هذا الفن، وأنهم وحدهم القادرون على تحديد ما هو هايكو وما هو "لا هايكو"، وكأن النصوص أصبحت خاضعة لتحليل مختبري محكوم عليه بالحياة أو الموت.

 

ما الذي يجعل الهايكو جميلاً؟

 

الهايكو الحقيقي ليس مجرد التزام صارم بالشروط والتقنية. الجمال يكمن في اللحظة المشهدية الحية التي يلتقطها الشاعر دون مبالغة أو تجميل. نصوص بوسون، رغم بساطتها، تنجح لأنها تنقل مشهداً ينبض بالحياة، دون أي مجاز أو أنسنة مُرهقة. ورغم ذلك، هناك دائماً حاجة إلى عنصر جذب يثير خيال القارئ ويخلق قفلة مدهشة، وهذا قد يكون مفقوداً في نص بوسون المذكور.

 

الهايكو بين العفوية والمخبرية:

 

الهايكو، في جوهره، ليس مجرد معادلة رياضية تُجمع فيها شروط الكيغو، الحياد، المشهدية، والتكثيف لإنتاج نص هايكويّ جميل. ذكرني هذا النقاش بالمثال الذي ضربه أحد الأشخاص الذين حضروا محاضرة الكاتب سومرست موم يوضح هذه الفكرة بجلاء: بعد محاضرة ألقاها موم عن شروط النص المسرحي الناجح—الدين، النبالة، الجنس، والغموض—تقدم أحدهم بمسرحية قصيرة يقول فيها: "يا إلهي، الملكة حبلى، يا ترى من فعل ذلك؟". رغم أن هذه العبارة تجمع كل الشروط التي ذكرها موم، إلا أنها تفتقر إلى الروح والعمق اللذين يصنعان نصاً مسرحياً حقيقياً.

الأمر ذاته ينطبق على الهايكو. وجود الشروط الأساسية لا يعني بالضرورة أن الهايكو قد أصبح ناجحاً. النص الجميل هو ما ينقل لحظة حيّة نابضة، بتلقائية وصدق شعوري، وليس مجرد التزام ميكانيكي بمعايير محددة. حين يتحول النص إلى محاولة "مختبرية" لتطبيق الشروط فقط، فإنه يفقد روحه، تماماً كما فقد النص المسرحي في مثال سومرست موم مقوماته الفنية رغم توافر الشروط النظرية فيه.

لذا، النص الهايكوي لا يتحقق فقط بالشروط، بل بالتوازن بين العفوية والبساطة من جهة، والجاذبية الشعورية من جهة أخرى، ليخلق نصاً حياً يُلامس القارئ دون أن يُثقل عليه بالمجازات أو الأنسنة المبالغ فيها.

 

بين النقد والانتقاد:

 

التعامل مع النصوص بعقلية نقدية صارمة أحياناً يُسقط النقّاد في الحفر التي يحفرونها بأنفسهم. البحث عن الممنوع، والمسموح يبتعد عن جوهر الهايكو، الذي يُعنى بإحياء المشهدية، والشعور اللحظي. بدلاً من أن تصبح النصوص ساحة معركة للنقاش بين "هايكو" و"لا هايكو"، ينبغي أن تعود إلى جذورها كفن يعبر عن الحياة بأبسط وأصدق أشكالها.

وفي الختام، أرى أن النصوص الكلاسيكية مثل نص بوسون قد تبدو بسيطة، لكنها تحمل روحاً لا يمكن إنكارها. اليوم، نحن مطالبون بإعادة النظر في تعاملنا مع الهايكو، ليس فقط كقائمة شروط تقنية، بل كفن يلتقط المشهد بجماله الفطري. لا حاجة لتحويل النصوص إلى مختبرات نقدية تُنقص من قيمتها، بل الأهم هو الإحساس بالمشهد وتقديمه ببساطة تجذب القارئ، مثلما فعل المعلمون الكبار.

*مسرحي وباحث في الهايكو من سوريا

[1] طرح النص في حلقة نقاش مفتوح من طرف نادي هايكو العالم ضمن سلسلة حلقات تهدف إلى تنمية الثقافة الهايكوية والرفع من المستوى القرائي عند المهتمين بالهايكو ومحبيه، بتاريخ 26 يناير 2025.


 


ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق