إعلان الرئيسية

الصفحة الرئيسية مقاربات في هايكو الخريف/ Haiku Automne

مقاربات في هايكو الخريف/ Haiku Automne

حجم الخط


عبد الرحيم بنسعيد















شقشقة -

على خشاش الزيتون ينضج

شاي القاطفات

 

هايكو: أمينة الحاتمي- المغرب

مقاربة: عبد الرحيم بنسعيد، هايجن وباحث في الهايكو- المغرب


      يحلق بنا الهايكو الماثل بين أيدينا صوب تراث خريفي بامتياز، إذ يذكرنا بموسم قطف الزيتون في أواسط الخريف حيث بعيد هبوب أولى قطرات المطر وارتفاع منسوب الزيوت في أشجار الزيتون حسب العارفين يهب الناس في القرى النائية بالمغرب وفي المناطق الجبلية لقطف تلك الثمرة المباركة بغية أكلها أو عصرها لاستخلاص زيوتها الصافية.


     يتميز هذا الهايكو بالموسمية، فهو هايكو خريفي بامتياز وهايكو التراث الفصلي الذي تنتظره آلاف الأسر المغربية للاحتفال بطقوسه الراسخة من إعداد قبلي لعصي القطف، وقفازات وأكياس الجمع...وتتخلل لحظات القطف طقوس قد تختلف من جهة لأخرى وأهازيج محلية راسخة تنشدها القاطفات على شاكلة المواسم المتنوعة بالمغرب كموسم الورود بقلعة مكونة، وموسم التمور بأرفود، و موسم قطف الزيتون بتاونات، و موسم قطف الزعفران بتلوين، وموسم حب الملوك (فاكهة الكرز) بصفرو.


       افتتحت الهايكيست هذا النص بكلمة شقشقة وكأني بها تحاول إثارة الانتباه لصوت يحرك الجمود الزمكاني ولتسليط الضوء على مشهد انطلاقا من الأصوات المتفاعلة. في المشهد الثاني، تأخذنا الصورة لخشاش الزيتون وهي لقطة تختزل طقس من طقوس القطاف وهو الطهي على ما جادت به شجرة الزيتون من أعواد وأوراق يابسة تؤثث الوجبات التي تؤخذ في مكان القطف. أما المشهد الثالث والأخير فينتقل بنا إلى اكتشاف سر الشقشقة المسترسلة وبدهشة جميلة أطرها فعل ينضج ألا وهو شاي القاطفات الذي يطبخ على مهل في جو مليء بالفرح والنشاط. وكأني بالهايكو تم تصويره بآلة تصوير ثلاثية الأبعاد. علاوة على ما قيل، فقد لفت انتباهي كعاشق للهايكو الحضور الوازن لحرفان وهما الشين (5مرات) والقاف (3مرات) وهي من الحروف الصوتية القوية والمبهرة. فالهايكو ليس فقط مادة للالتقاط المرئي بل أيضا للإنصات الصوتي والمتعة السمعية.


     وفي الأخير، تظهر قوة النص في انسيابيته الجميلة وفي التنحي الذي نجحت فيه الكاتبة تاركة لنا فرصة للتأمل وفسحة للتأويل من زوايا متعددة (مشهد الشقشقة). كما انه قد يبدو للوهلة الأولى أن النص بسيط في تعبيره لكنه يتميز بعمق وبنضج كبيرين. ولعل التقاطة هاته الصورة وأمثالها هي التي تنقل المشهد من نزعته الموسمية العابرة إلى البقاء والخلود في الأدهان. وهذا لن يتأتى إلا بأيادي هايكيست باحثة عن المشهدية الراقية قاطفة للجمال.

_

راجع المادة في مجلة )هايكو العالم H W ) على الموقع، ص 24


ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق