![]() |
محمد بنفارس - المغرب |
الدينامية والإيحاء
في شعرية المناخات المشهدية
مطر من
الأزهار
عبثا يبحث
غراب
عن عشه
هايكو: ماتسوو باشو (1)
مقاربة : محمد بنفارس- المغرب
لعلنا نتذكر قصة اليعسوب الذي قتله
تلميذ في نص له عندما اقتلع جناحيه بحضور باشو، فما كان من المعلم إلا أن أعاده حيا
يرزق على رأس فلفل.
في الهايكو أعلاه، نحن بصدد مشهد يتشكل من حركتين اثنتين
(2 mouvements):
1/ الحركة الأولى:
مطر/ وابل من الأزهار
عدد غير محدود من أزهار شجرة الكرز تتساقط من دون
توقف،
2/ الحركة الثانية:
عبثا يبحث غراب
عن عشه
غراب لا يكل من الدوران حول نفسه
ومحيط الأزهار بحثا عن عشه.
نلاحظ بجلاء أن كل حركة في النص تجسد صورة(image) غير مكتملة أو
غير منتهية الوقوع زمنيا (non accomplie):
- فمن جهة، الأزهار التي ما فتئت
تتساقط بكثرة،
- ومن جهة أخرى، الغراب الذي لم يعثر
على عشه بعد.
من حيث الصياغة، جاء الهايكو في كلمات
قد تبدو للوهلة الأولى صورة جامدة، في حين أنها ليست من السكون في شيء، بل قد ولدت
حركية داخلية بين عناصره وشحنت الهايكو بدينامية جعلت منه نصا مفعما بالحياة،
يدعونا، كقراء، لتخيل الحدث الذي برع باشو في رسمه لوحة متحركة كما لو كنا بصدد
لقطة سينمائية، وتشكيله في أذهاننا، مناخا من الأحاسيس المختلفة.
إضافة إلى ذلك، يلاحظ أن الكلمات نقلت الحركة إلى قلب الهايكو، ولكن على نحو من شعرية الإيحاءات. ولذلك يمكن القول بأن اللغة هنا عملت على مسرحة/ تمثيل/ تجسيد (Théâtralisation)الحركة (2) - أي المشهد الحركي- داخل جسم الهايكو. ما يعني أن اللغة في هذا الهايكو ليست ثانوية أو ناقلة وحسب، بل تعتبر مكونا أساسا في نسق الهايكو، ولكن ضمن علاقة طبيعية (غير مجازية وغير متكلفة) مع الحمولات الساحرة الممكنة الظاهرة منها والمضمرة.
من جانب آخر، حظي الغراب (الأسود) وما يمثله في مخيال الناس( من سلبية) باعتبار واحتفاء في النص كمكون له حضور في مشهد الطبيعة بالوانها المختلفة.
أين الهايجن من كل هذا؟
قد يبدو المتحدث غائبا، بشكل كلي، عما
يقع، ولكنه بطبيعة الحال هو من شاهد وعايش وافتتن ثم نقل. فنحن- كمتلقين-
نختبر المشهد من خلال حواسه ( بصر وسنع) ومن خلال كتابته.
على سبيل الختم
نعتبر أن العنصر الذي يمد بالحركة والحياة، يوفر للهايكو دينامية وروحا مستمرة ويجعل منه موردا (ressource) أكثر كثافة من حيث دعم المناخ الشعري (Atmosphère poétique) المراد خلقه لدى المتلقي الذي يستجيب تلقائيا وعلى نحو متفاعل لمتابعة التجربة الوجدانية والقرائية. وسيكون من باب النجاعة الهايكوية، إذن، لو تم استثمار مورد الحركة لإنتاج هايكو ينبض بالحياة انطلاقا من الحواس ودون أدنى تدخل مباشر.
_______
1.ماتسوو باشو، شاعر ياباني (1664-1694) مؤسس
الهايكو كنمط مختلف.
2. جيل دولور (1925- 1995) فيلسوف فرنسي له آراء في اللغة.